الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
انظر: نجاسة
1 - الرّجعة اسم مصدر رجع، يقال: رجع عن سفره، وعن الأمر يرجع رجعاً ورجوعاً ورجعيّ ومرجعاً، قال ابن السّكّيت: هو نقيض الذّهاب، ويتعدّى بنفسه في اللّغة الفصحى فيقال: رجّعته عن الشّيء وإليه، ورجّعت الكلام وغيره أي رددته قال تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ} ورجعت المرأة إلى أهلها بموت زوجها أو بطلاقٍ، فهي راجعة، والرّجعة بالفتح بمعنى الرّجوع، والرّجعة بعد الطّلاق بالفتح والكسر. والرّجعيّ نسبة إلى الرّجعة، والطّلاق الرّجعيّ: ما يجوز معه للزّوج ردّ زوجته في عدّتها من غير استئناف عقدٍ. وفي الاصطلاح: تعدّدت تعريفات الفقهاء للرّجعة على النّحو الآتي: عرّفها العينيّ بأنّها استدامة ملك النّكاح. وعرّفها صاحب البدائع من الحنفيّة بأنّها استدامة ملك النّكاح القائم ومنعه من الزّوال. وعرّفها الدّردير من المالكيّة بأنّها عود الزّوجة المطلّقة للعصمة من غير تجديد عقدٍ. وعرّفها الشّربينيّ الخطيب من الشّافعيّة بقوله: ردّ المرأة إلى النّكاح من طلاقٍ غير بائنٍ في العدّة على وجهٍ مخصوصٍ. وعرّفها البهوتيّ من الحنابلة بأنّها إعادة مطلّقةٍ غير بائنٍ إلى ما كانت عليه بغير عقدٍ.
2 - إنّ ارتجاع الزّوج لزوجته باب من أبواب الإصلاح، لذلك نجد الشّريعة الإسلاميّة قد نظّمت أحكامها.. وقد أشار الكاسانيّ إلى حكمة الرّجعة بقوله: إنّ الحاجة تمسّ إلى الرّجعة، لأنّ الإنسان قد يطلّق امرأته ثمّ يندم على ذلك على ما أشار الرّبّ سبحانه وتعالى جلّ جلاله بقوله: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} فيحتاج إلى التّدارك، فلو لم تثبت الرّجعة لا يمكنه التّدارك، لما عسى أن لا توافقه المرأة في تجديد النّكاح ولا يمكنه الصّبر عنها فيقع في الزّنا. لذا شرعت الرّجعة للإصلاح بين الزّوجين وهذه حكمة جليلة فتبارك اللّه أحكم الحاكمين. 3 - وقد ثبتت مشروعيّة الرّجعة بالكتاب والسّنّة والإجماع، وفيما يلي بيان ذلك: أمّا الكتاب فقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً} وقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُوا}. وأمّا السّنّة فقد ورد عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة ثمّ راجعها، فعن أنسٍ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة تطليقةً، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمّد، طلّقت حفصة وهي صوّامة قوّامة، وهي زوجتك في الجنّة ؟ فراجعها «. وعن عروة عن عائشة قالت: » كان النّاس والرّجل يطلّق امرأته ما شاء أن يطلّقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدّة وإن طلّقها مائة مرّةٍ أو أكثر، حتّى قال رجل لامرأته: واللّه لا أطلّقك فتبيني منّي ولا آويك أبداً، قالت: وكيف ذاك ؟ قال: أطلّقك فكلّما همّت عدّتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتّى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتّى جاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته فسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى نزل القرآن: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قالت عائشة: فاستأنف النّاس الطّلاق مستقبلاً، من كان طلّق ومن لم يكن طلّق «. والإمساك بالمعروف هو الرّجعة في العدّة بقصد الإصلاح لا الإضرار. وقد أجمع الفقهاء على جواز الرّجعة عند استيفاء شروطها، ولم يخالف في ذلك أحد منهم، فقد جاء في الرّوض المربّع ما نصّه " قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الحرّ إذا طلّق دون الثّلاث، والعبد دون اثنتين، أنّ لهما الرّجعة في العدّة ".
4 - الأصل في الرّجعة أنّها مباحة وهي حقّ للزّوج لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً}. وتكون الرّجعة واجبةً عند الحنفيّة والمالكيّة إذا طلّق الرّجل امرأته طلقةً واحدةً في حالة حيضٍ فهذا طلاق بدعيّ يستوجب التّصحيح، والتّصحيح لا يتمّ إلاّ بالرّجعة. والدّليل على ذلك حديث ابن عمر: » أنّه طلّق امرأته وهي حائض على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطّاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: مره فليراجعها، ثمّ ليمسكها حتّى تطهر، ثمّ تحيض ثمّ تطهر، ثمّ إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ، فتلك العدّة الّتي أمر اللّه أن تطلق لها النّساء «. وتسنّ عند الشّافعيّة والحنابلة في هذه الحالة. وتكون الرّجعة مندوبةً، وذلك في حالة ندم الزّوجين بعد وقوع الطّلاق، ولا سيّما إذا كان هناك أولاد تقتضي المصلحة نشأتهم في ظلّ الأبوين ليدبّرا شؤونهم، فتكون الرّجعة مندوبةً تحصيلاً للمصلحة الّتي ندب إليها الشّارع الحكيم، فقد حضّ في كثيرٍ من الآيات على الصّلح والتّوفيق بين الزّوجين، قال تعالى: {فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} وقال تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}. وتكون الرّجعة محرّمةً إذا قصد الزّوج الإضرار بالمرأة فيراجعها ليلحق بها الأذى والضّرر، وقد نهى القرآن الكريم عن ذلك بقوله: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} في هذه الآية ينهى اللّه تعالى الأزواج أن يمسكوا زوجاتهم بقصد إضرارهنّ وأذاهنّ، والنّهي يفيد التّحريم، فتكون الرّجعة محرّمةً في هذه الحالة. ومع هذا تكون الرّجعة صحيحةً عند الحنفيّة أمّا عند المالكيّة فقد قال القرطبيّ: من فعل ذلك فالرّجعة صحيحة، ولو علمنا نحن ذلك المقصد طلّقنا عليه. وقال ابن تيميّة: لا يمكّن من الرّجعة إلاّ من أراد إصلاحاً وأمسك بمعروفٍ. وتكون الرّجعة مكروهةً إذا ظنّ الزّوج أنّه لن يقيم حدود اللّه من حيث الإحسان إلى زوجته، فتكون الرّجعة في حقّه مكروهةً في هذه الحالة.
ويشترط لصحّة الرّجعة ما يلي: 5 - الشّرط الأوّل: أن تكون الرّجعة بعد طلاقٍ رجعيٍّ سواء صدر من الزّوج أو من القاضي، لأنّها استئناف للحياة الزّوجيّة الّتي قطعت بالطّلاق، فلولا وقوعه لما كان للرّجعة فائدة، فإذا طلّق الرّجل امرأته الطّلقة الثّالثة فليس له حقّ مراجعتها، إذ بالطّلقة الثّالثة تبين المرأة من زوجها بينونةً كبرى ولا يحلّ له مراجعتها حتّى تتزوّج آخر. قال تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}. والفقهاء جميعاً متّفقون على هذا الشّرط ولم يخالف فيه أحد منهم. 6- الشّرط الثّاني: أن تحصل الرّجعة بعد الدّخول بالزّوجة المطلّقة، فإن طلّقها قبل الدّخول وأراد مراجعتها فليس له الحقّ في ذلك وهذا بالاتّفاق لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}. إلاّ أنّ الحنابلة اعتبروا الخلوة الصّحيحة في حكم الدّخول من حيث صحّة الرّجعة، لأنّ الخلوة ترتّب أحكاماً مثل أحكام الدّخول، أمّا الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة على المذهب فلا بدّ عندهم من الدّخول لصحّة الرّجعة، ولا تكفي الخلوة. 7- الشّرط الثّالث: أن تكون المطلّقة في العدّة، فإن انقضت عدّتها فلا يصحّ ارتجاعها باتّفاق الفقهاء، لقوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَء} ثمّ قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في القروء الثّلاثة. ولأنّ في ارتجاع المطلّقة في فترة العدّة استدامةً واستمراراً لعقد النّكاح، فإذا انقضت العدّة انقطعت هذه الاستدامة فلا تصحّ الرّجعة بعد انقضاء العدّة، وقال الكاسانيّ: من شروط جواز الرّجعة قيام العدّة فلا تصحّ الرّجعة بعد انقضاء العدّة، لأنّ الرّجعة استدامة الملك، والملك يزول بعد انقضاء العدّة، فلا تتصوّر الاستدامة، إذ الاستدامة للقائم لصيانته عن الزّوال وأمّا ما تنتهي به العدّة فينظر في مصطلح: (عدّة). 8- الشّرط الرّابع: ألاّ تكون الفرقة قبل الرّجعة ناشئةً عن فسخ عقد النّكاح، وتفصيل ذلك في مصطلح: (فسخ). 9- الشّرط الخامس: ألاّ يكون الطّلاق بعوضٍ، فإن كان الطّلاق بعوضٍ فلا تصحّ الرّجعة، لأنّ الطّلاق حينئذٍ بائن لافتداء المرأة نفسها من الزّوج بما قدّمته له من عوضٍ ماليٍّ ينهي هذه العلاقة مثل الخلع والطّلاق على مالٍ. 10- الشّرط السّادس: أن تكون الرّجعة منجّزةً فلا يصحّ تعليقها على شرطٍ أو إضافتها إلى زمنٍ مستقبلٍ، وصورة التّعليق على الشّرط أن يقول: إن جاء زيد فقد راجعتك، أو إن فعلت كذا فقد راجعتك، وصورة الإضافة للزّمن المستقبل كأن يقول: أنت راجعة غداً أو بعد شهرٍ وهكذا، وهذا عند جمهور الفقهاء " الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة " والأظهر عند المالكيّة. وتفصيل ذلك في مصطلح: (تعليق ف 46) الموسوعة ج 12 ص 31. واستدلّوا لذلك بأنّ الرّجعة استدامة لعقد النّكاح أو إعادة له، والنّكاح لا يقبل التّعليق والإضافة، والرّجعة تأخذ حكم النّكاح. 11- الشّرط السّابع: أن يكون المرتجع أهلاً لإنشاء عقد النّكاح. وهذا الشّرط ورد في كتب المالكيّة والشّافعيّة فيرى المالكيّة أنّ كلّ من له الحقّ في إنشاء عقد الزّواج يكون له الحقّ في ارتجاع مطلّقته عند استيفاء شروط الرّجعة، وعلى ذلك فلا تصحّ الرّجعة من المجنون والسّكران لعدم أهليّتهما لإنشاء عقد النّكاح، وأجاز المالكيّة رجعة ناقصي الأهليّة، وهم الصّبيّ المميّز، والسّفيه، والمريض مرض الموت، والمفلس، وقد بنوا إجازة الرّجعة من هؤلاء على أساس عدم إلحاق الضّرر بهم، وعلى حسب حالة كلٍّ من هؤلاء على حدةٍ، فأمّا الصّبيّ المميّز فيصحّ عقد نكاحه إلاّ أنّه متوقّف على إجازة وليّه، فكما صحّ عقده بهذه الحالة صحّت رجعته، وأمّا السّفيه فيصحّ عقد نكاحه في حدود مهر المثل فصحّت رجعته لاستمرار عقد النّكاح من جهةٍ، وكذا لعدم وجود الإسراف منه، وأمّا المريض مرض الموت فقد صحّت رجعته، لأنّ الرّجعة ليس فيها إدخال غير وارثٍ مع الورثة، وأمّا المفلس فصحّت الرّجعة منه، لأنّها لا تتطلّب مهراً جديداً فلا تشغل ذمّته بالتزاماتٍ ماليّةٍ ولا يحتاج لإذن الدّائنين، كما أجازوا الرّجعة من المحرم بالحجّ أو العمرة مع عدم جواز عقد نكاحه، لأنّ الرّجعة استمرار لعقد النّكاح وليست إنشاءً جديداً له. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ شرط المرتجع أهليّة النّكاح بنفسه بأن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير مرتدٍّ، لأنّ الرّجعة كإنشاء النّكاح فلا تصحّ الرّجعة في الرّدّة والصّبا والجنون ولا من مكرهٍ، كما لا يصحّ النّكاح فيها. فالرّجعة لا تصحّ إلاّ من بالغٍ، عاقلٍ مختارٍ. واستثنى الشّافعيّة من ذلك السّفيه فكما يصحّ نكاحه صحّت رجعته. والسّكران المتعدّي بسكره تصحّ رجعته عند الشّافعيّة، لأنّه في الأصل أهل لإبرام عقد النّكاح، ولا تصحّ رجعته عند المالكيّة، كما لا تصحّ عند الشّافعيّة رجعة السّكران غير المتعدّي بسكره، لأنّ أقواله كلّها لاغية. وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى صحّة الرّجعة من المحرم، لأنّ الإحرام لا يؤثّر في أهليّة المحرم لإنشاء عقد النّكاح وإنّما هو أمر عارض. هذا ولا يشترط في الرّجعة رضا المرأة. وقوله سبحانه: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}. يدلّ على هذا المعنى.
للرّجعة كيفيّتان: رجعة بالقول، ورجعة بالفعل.
12 - اتّفق الفقهاء على أنّ الرّجعة تصحّ بالقول الدّالّ على ذلك، كأن يقول لمطلّقته وهي في العدّة راجعتك، أو ارتجعتك، أو رددتك لعصمتي وهكذا كلّ لفظٍ يؤدّي هذا المعنى. قال العينيّ من الحنفيّة ما نصّه: والرّجعة أن يقول للّتي طلّقها طلقةً، أو طلقتين: راجعتك بالخطاب لها، أو راجعت امرأتي بالغيبة، وهذا صريح في الرّجعة، وكذا إذا قال: رددتك أو أمسكتك. وقسّم الفقهاء الألفاظ الّتي تصحّ بها الرّجعة إلى قسمين: القسم الأوّل: اللّفظ الصّريح مثل راجعتك وارتجعتك إلى نكاحي، وهذا القسم تصحّ به الرّجعة ولا يحتاج إلى نيّةٍ. القسم الثّاني: الكناية: وهي الألفاظ الّتي تحتمل معنى الرّجعة ومعنىً آخر غيرها، كأن يقول: أنت عندي كما كنت، أو أنت امرأتي ونوى به الرّجعة. فألفاظ الكناية تحتمل الرّجعة وغيرها مثل أنت عندي كما كنت، فإنّها تحتمل كما كنت زوجةً، وكما كنت مكروهةً، ولذلك قال الفقهاء: إنّها تحتاج إلى نيّةٍ ويسأل عنها، ثمّ اختلفوا في بعض الألفاظ مثل رددتك وأمسكتك هل هي من الصّريح أو الكناية، فذهب فريق من المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّها من ألفاظ الكناية وتحتاج إلى النّيّة. وحجّتهم في ذلك أنّ قوله " رددتك " يحتمل الرّدّ إلى الزّوجيّة أو إلى بيت أبيها، " وأمسكتك" يحتمل الإمساك بالزّوجيّة أو الإمساك عن الخروج من بيتها في عدّتها. وذهب فريق آخر من المالكيّة والشّافعيّة ومعهم جمهور الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ هذين اللّفظين من صريح الرّجعة فلا يحتاجان إلى نيّةٍ، وحجّتهم في ذلك أنّ آيات القرآن الكريم الّتي وردت فيها أحكام الرّجعة دلّت عليها بلفظي الرّدّ والإمساك. قال تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} وقال تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}.
13 - يرى الحنفيّة أنّ الجماع ومقدّماته تصحّ بهما الرّجعة، جاء في الهداية " قال: أو يطأها، أو يلمسها بشهوةٍ، أو ينظر إلى فرجها بشهوةٍ، وهذا عندنا "، وقولهم هذا مرويّ عن كثيرٍ من التّابعين، وهم سعيد بن المسيّب، والحسن البصريّ، ومحمّد بن سيرين، وطاوس، وعطاء بن أبي رباحٍ، والأوزاعيّ، والثّوريّ، وابن أبي ليلى، والشّعبيّ، وسليمان التّيميّ، وصرّح الحنفيّة بأنّه لا يكون النّظر إلى شيءٍ من جسد الزّوجة سوى الفرج رجعةً. واستدلّوا بأنّ الرّجعة تعتبر استدامةً للنّكاح واستمراراً لجميع آثاره، ومن آثار النّكاح حلّ الجماع ومقدّماته، لذلك صحّت الرّجعة بالجماع ومقدّماته، لأنّ النّكاح ما زال موجوداً إلى أن تنقضي العدّة. كما أنّ الأفعال صريحها ودلالتها تدلّ على نيّة الفاعل، فإذا وطئ الزّوج مطلّقته الرّجعيّة وهي في العدّة، أو قبّلها بشهوةٍ، أو لامسها بشهوةٍ، اعتبر هذا الفعل رجعةً بالدّلالة، فكأنّه بوطئها قد رضي أن تعود إلى عصمته. وقد قيّد الحنفيّة القبلة والنّظر إلى الفرج واللّمس بالشّهوة. أمّا إذا حصل لمس أو نظر إلى الفرج، أو تقبيل بغير شهوةٍ، فلا تتحقّق الرّجعة، والسّبب في ذلك أنّ الأشياء المذكورة، إذا كانت بغير شهوةٍ فإنّها تحصل من الزّوج وغيره كالمساكنين لها، أو المتحدّثين معها، أو الطّبيب والقابلة " المولّدة " أمّا وجود الشّهوة مع هذه الأفعال فإنّها لا تحصل إلاّ من الزّوج فقط. فإذا صحّت الرّجعة مع هذه الأفعال بغير شهوةٍ احتاج الزّوج إلى طلاقها، فتطول عليها العدّة وتقع المرأة في حرجٍ شديدٍ. وإذا حدثت هذه الأشياء من المرأة كأن قبّلت زوجها، أو نظرت إليه، أو لمسته بشهوةٍ، فعند أبي حنيفة ومحمّدٍ تصحّ الرّجعة. واستدلاّ على ذلك بأنّ حلّ المعاشرة الزّوجيّة قد ثبت لهما معاً، فتصحّ الرّجعة منها إذا نظرت إليه بشهوةٍ، كما يصحّ ذلك منه، ومن جهةٍ أخرى فإنّ حرمة المصاهرة تثبت من جهتها، كأن عاشرت ابن زوجها أو أباه، كما تثبت حرمة المصاهرة من جهة الزّوج أيضاً، لذلك صحّت الرّجعة من جهتها إذا لمسته أو قبّلته بشهوةٍ، أو رأت فرجه بشهوةٍ، وعند أبي يوسف لا تصحّ الرّجعة من جهتها إذا لمسته أو قبّلته بشهوةٍ أو نظرت إلى فرجه بشهوةٍ، وحجّته في ذلك أنّ الرّجعة حقّ للزّوج على زوجته حتّى إنّه يراجعها بغير رضاها، وليس لها حقّ مراجعة زوجها لا بالقول ولا بالفعل، فسواء نظرت إليه بشهوةٍ أو بغيرها لا تثبت لها الرّجعة. 14 - ويرى المالكيّة صحّة الرّجعة بالفعل كالوطء ومقدّماته بشرط أن ينوي الزّوج بهذه الأفعال الرّجعة، فإذا قبّلها أو لمسها بشهوةٍ، أو نظر إلى موضع الجماع بشهوةٍ، أو وطئها ولم ينو الرّجعة فلا تصحّ الرّجعة بفعل هذه الأشياء، جاء في الخرشيّ ما نصّه: أنّ الرّجعة لا تحصل بفعلٍ مجرّدٍ عن نيّة الرّجعة ولو بأقوى الأفعال كوطءٍ وقبلةٍ ولمسٍ، والدّخول عليها من الفعل فإذا نوى به الرّجعة كفى. 15 - والرّجعة عند الشّافعيّة لا تصحّ بالفعل مطلقاً، سواء كان بوطءٍ أو مقدّماته، وسواء كان الفعل مصحوباً بنيّة الزّوج في الرّجعة أو لا، وحجّتهم في ذلك أنّ المرأة في الطّلاق الرّجعيّ تعتبر أجنبيّةً عن الزّوج فلا يحلّ له وطؤها، والرّجعة في العدّة تعتبر إعادةً لعقد الزّواج، وكما أنّ عقد الزّواج لا يصحّ إلاّ بالقول الدّالّ عليه، فكذا الرّجعة لا تصحّ إلاّ بالقول الدّالّ عليها أيضاً، فلو أنّ رجلاً وطئ امرأةً قبل عقد النّكاح فوطؤه حرام، فكذا المطلّقة الرّجعيّة لو وطئها الزّوج في العدّة فوطؤه هذا حرام، وقد نصّ الشّافعيّ على ذلك في الأمّ بعد أن بيّن أنّ الرّجعة حقّ للأزواج، وأنّ الرّدّ ثابت لهم دون رضى المرأة قال: والرّدّ يكون بالكلام دون الفعل من جماعٍ وغيره، لأنّه ردّ بلا كلامٍ، فلا تثبت رجعة لرجلٍ على امرأته حتّى يتكلّم بالرّجعة، كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتّى يتكلّم بهما، فإذا تكلّم بها في العدّة ثبتت له الرّجعة. 16 - وفرّق الحنابلة في صحّة الرّجعة بين الوطء ومقدّماته، فإنّ الرّجعة عندهم تصحّ بالوطء ولا تصحّ بمقدّماته وفيما يلي بيان ذلك:
17 - تصحّ الرّجعة عندهم بالوطء مطلقاً سواء نوى الزّوج الرّجعة أو لم ينوها وإن لم يشهد على ذلك. وحجّتهم في ذلك: أنّ فترة العدّة تؤدّي إلى بينونة المطلّقة من حيث إنّ انقضاء العدّة يمنع صحّة الرّجعة، فإذا لم تنقض العدّة ووطئها في هذه المدّة فقد عادت إليه، ويكون هذا مثل حكم الإيلاء، فإذا آلى الزّوج من زوجته ثمّ وطئها فقد ارتفع حكم الإيلاء، فكذا الحال في الرّجعة إذا وطئها في العدّة فقد عادت إليه. ثمّ ذكروا دليلاً آخر يؤكّد صحّة الرّجعة بالوطء، جاء في الشّرح الكبير على المقنع " أنّ الطّلاق سبب لزوال الملك ومعه خيار، فتصرّف المالك بالوطء يمنع عمله كما ينقطع به التّوكيل في طلاقها "، هذا ما استدلّ به الحنابلة على ما ذهبوا إليه.
18 - اختلفت الرّوايات في المذهب عندهم في صحّة الرّجعة بمقدّمات الوطء، فالرّواية المشهورة عن أحمد عدم صحّة الرّجعة بالنّظر إلى موضع الجماع واللّمس والتّقبيل بشهوةٍ، وحجّة هذه الرّواية ما يأتي: أ - أنّ هذه الأشياء المذكورة إذا حدثت لا يترتّب عليها عدّة ولا يجب بها مهر فلا تصحّ بها الرّجعة. ب - أنّ النّظر إلى موضع الجماع أو اللّمس قد يحدث من غير الزّوج للحاجة، فلا تكون رجعةً من هذه الجهة. وفي روايةٍ أخرى هي: تصحّ الرّجعة بفعل هذه الأشياء لأنّها لا تخلو من استمتاعٍ يجري بين الزّوجين. والرّواية الأولى: هي المعتمدة في المذهب وقد نصّ عليها أحمد رضي الله عنه. وكذلك اختلفوا في الخلوة الصّحيحة هل تصحّ معها الرّجعة ؟ على قولين: القول الأوّل: تصحّ الرّجعة مع الخلوة لأنّ أحكام النّكاح تتقرّر بالخلوة الصّحيحة بالإضافة إلى إمكان الاستمتاع في الخلوة. القول الثّاني: لا تصحّ الرّجعة مع الخلوة لأنّ الخلوة الصّحيحة في حالة الطّلاق لا يتأتّى فيها الاستمتاع فلا تصحّ معها الرّجعة.
19 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة، والجديد من مذهب الشّافعيّ وإحدى الرّوايتين عن أحمد إلى أنّ الإشهاد على الرّجعة مستحبّ، وهذا القول مرويّ عن ابن مسعودٍ، وعمّار بن ياسرٍ رضي الله عنهما، فمن راجع امرأته ولم يشهد صحّت الرّجعة، لأنّ الإشهاد مستحبّ. وحجّتهم في ذلك ما يأتي: 1 - الرّجعة مثل النّكاح من حيث كونها امتداداً له، ومن المتّفق عليه أنّ استدامة النّكاح لا تلزمها شهادة، فكذا الرّجعة لا تجب فيها الشّهادة. 2 - الرّجعة حقّ من حقوق الزّوج وهي لا تحتاج لقبول المرأة، لذلك لا تشترط الشّهادة لصحّتها، لأنّ الزّوج قد استعمل خالص حقّه، والحقّ إذا لم يحتج إلى قبولٍ أو وليٍّ فلا تكون الشّهادة شرطاً في صحّته. قالوا: وأمّا قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} هذا أمر، والأمر في هذه الآية محمول على النّدب لا على الوجوب، مثل قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُم} واتّفق جمهور الفقهاء على صحّة البيع بلا إشهادٍ، فكذا استحبّ الإشهاد على الرّجعة للأمن من الجحود، وقطع النّزاع، وسدّ باب الخلاف بين الزّوجين. ويلاحظ أنّ تأكيد الحقّ في البيع في حاجةٍ إلى إشهادٍ أكثر من الرّجعة، لأنّ البيع إنشاء لتصرّفٍ شرعيٍّ، أمّا الرّجعة فهي استدامة الحياة الزّوجيّة أو إعادتها، فلمّا صحّ البيع بلا إشهادٍ صحّت الرّجعة بلا إشهادٍ من باب أولى. وأضاف المالكيّة أنّ الزّوجة لو منعت زوجها من وطئها حتّى يشهد على الرّجعة كان فعلها هذا حسناً وتؤجر عليه، ولا تكون عاصيةً لزوجها. وذهب الشّافعيّ في القديم من المذهب وأحمد في الرّواية الثّانية بأنّ الإشهاد على الرّجعة واجب لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}. وبالأثر المرويّ عن عمران بن حصينٍ فقد سأله رجل عمّن طلّق امرأته طلاقاً رجعيّاً ثمّ وقع بها ولم يشهد، فقال: طلّقت لغير سنّةٍ وراجعت لغير سنّةٍ، أشهد على ذلك ولا تعد، ولأنّ الرّجعة استباحة بضعٍ محرّمٍ فيلزمه الإشهاد. وقال النّوويّ: إنّ الإشهاد على الرّجعة ليس شرطاً ولا واجباً في الأظهر.
20 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ إعلام الزّوجة بالرّجعة مستحبّ، لما فيه من قطع المنازعة الّتي قد تنشأ بين الرّجل والمرأة. قال العينيّ ما نصّه: " ويستحبّ أن يعلمها " أي يعلم المرأة بالرّجعة، فربّما تتزوّج على زعمها أنّ زوجها لم يراجعها وقد انقضت عدّتها ويطؤها الزّوج، فكانت عاصيةً بترك سؤال زوجها وهو يكون مسيئاً بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحّت الرّجعة، لأنّها استدامة النّكاح القائم وليست بإنشاءٍ، فكان الزّوج متصرّفاً في خالص حقّه، وتصرّف الإنسان في خالص حقّه لا يتوقّف على علم الغير.
21 - ذهب الحنابلة وزفر من الحنفيّة إلى أنّ للزّوج السّفر بمطلّقته الرّجعيّة، أمّا الجمهور فلا يجيزون السّفر بها، لأنّها ليست زوجةً من كلّ وجهٍ، ولأنّ الزّوج مأمور بعدم إخراجها من البيت في العدّة لقوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ}. ولأنّ العدّة قد تنقضي وهي في السّفر معه فتكون مع أجنبيٍّ عنها وهذا محرّم، كلّ هذا إذا لم يراجعها في العدّة، أمّا إذا راجعها فتسافر معه لأنّها زوجة له.
22 - المطلّقة طلاقاً رجعيّاً لها أن تتزيّن لزوجها بما تفعله النّساء لأزواجهنّ من أوجه الزّينة من اللّبس وغيره. قال الحنابلة: تتزيّن وتسرف في ذلك. وقال الحنفيّة: لها أن تتزيّن وتتشوّف له. والتّشوّف وضع الزّينة في الوجه، والتّزيّن أعمّ من التّشوّف، لأنّه يشمل الوجه وغيره. وقد أجيز للمرأة فعل ذلك لترغيب الزّوج في المراجعة، فالتّزيّن وسيلة للرّجعة فلعلّه يراها في زينتها فتروق في عينه ويندم على طلاقها فيراجعها. واستدلّوا لجواز التّزيّن بأنّ المطلّقة رجعيّاً في حكم الزّوجات والنّكاح قائم من وجهٍ وهو كونها في العدّة. وذهب الشّافعيّة إلى عدم جواز تزيّن المرأة المطلّقة الرّجعيّة لزوجها لأنّها أجنبيّة عنه والرّجعة إعادة للنّكاح عندهم. ويتبع هذا الحكم أمر آخر وهو دخول الزّوج عليها في حجرتها، فعند الفقهاء لا يدخل عليها إلاّ بإذنها إذا كان لا ينوي الرّجعة. والسّبب في ذلك أنّها قد تكون متجرّدةً من الثّياب فيقع نظره على موضع الجماع فيكون مراجعاً عند من اعتبر ذلك رجعةً، أمّا إذا كان ينوي المراجعة فلا بأس أن يدخل عليها، لأنّ في نيّته مراجعتها فكانت زوجةً له، وخصوصاً أنّ الرّجعة لا تحتاج إلى موافقة المرأة.
23 - إذا ادّعى الزّوج على مطلّقته الرّجعيّة أنّه راجعها أمس أو قبل شهرٍ صدق إن كانت في العدّة، لأنّه أخبر بما يملك استئنافه فلا يكون متّهماً في الإخبار، ولا يصدّق إذا قال ذلك بعد انقضاء العدّة، لأنّه أخبر بما لا يملك استئنافه، فإن ادّعى بعد انقضاء عدّتها أنّه كان راجعها في عدّتها فأنكرت، فالقول قولها، لأنّه ادّعى مراجعتها في زمنٍ لا يملك مراجعتها فيه. وإذا ادّعى الزّوج بعد انقضاء العدّة أنّه قد راجع مطلّقته في أثناء العدّة وأقام بيّنةً على ذلك صحّت رجعته. قال السّرخسيّ: وإذا قال زوج المعتدّة لها: قد راجعتك، فقالت مجيبةً له: قد انقضت عدّتي، فالقول قولها عند أبي حنيفة ولا تثبت الرّجعة. وعندهما القول قول الزّوج والرّجعة صحيحة ، لأنّها صادفت العدّة، فإنّ عدّتها باقية ما لم تخبر بالانقضاء، وقد سبقت الرّجعة خبرها بالانقضاء فصحّت الرّجعة وسقطت العدّة، فإنّها أخبرت بالانقضاء بعد سقوط العدّة، وليس لها ولاية الإخبار بعد سقوط العدّة ولو سكتت ساعةً ثمّ أخبرت، ولأنّها صارت متّهمةً في الإخبار بالانقضاء بعد رجعة الزّوج فلا يقبل خبرها، كما لو قال الموكّل للوكيل عزلتك، فقال الوكيل كنت بعته. وأبو حنيفة يقول: الرّجعة صادفت حال انقضاء العدّة فلا تصحّ، لأنّ انقضاء العدّة ليس بعدّةٍ مطلقاً وشرط الرّجعة أن تكون في عدّة مطلّقةٍ.
1 - الرّجل في اللّغة خلاف المرأة وهو الذّكر من نوع الإنسان، وقيل إنّما يكون رجلاً إذا احتلم وشبّ، وقيل هو رجل ساعة تلده أمّه إلى ما بعد ذلك، وتصغيره رجيل قياساً، ورويجل على غير قياسٍ، ويجمع رجل على رجالٍ. وجمع الجمع رجالات، ويطلق الرّجل أيضاً على الرّاجل أي الماشي. ومنه قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} إلى غير ذلك من المعاني. وأمّا في الاصطلاح فهو كما ذكر الجرجانيّ في التّعريفات: الذّكر من بني آدم جاوز حدّ الصّغر بالبلوغ. وهذا في غير الميراث، وأمّا في الميراث فيطلق الرّجل على الذّكر من حين يولد، ومنه قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ}.
يختصّ الرّجل بأحكامٍ يخالف فيها المرأة وفيما يلي أهمّها: أ - لبس الحرير: 2 - يحرم على الرّجل لبس الحرير اتّفاقاً، ويحرم افتراشه في الصّلاة وغيرها عند الجمهور خلافاً للحنفيّة القائلين بجواز توسّده وافتراشه، لما روى أبو موسى أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: » أحلّ الذّهب والحرير لإناث أمّتي، وحرّم على ذكورها « ولما ورد عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: » لا تلبسوا الحرير فإنّ من لبسه في الدّنيا لم يلبسه في الآخرة «. وهذا - أي تحريم لبس الحرير على الرّجال - محلّ اتّفاقٍ بين العلماء ولا خلاف فيه، ويستثنى من ذلك العلم في الثّوب إذا كان أقلّ من أربعة أصابع، ومثله الرّقاع، ولبنة الجيب، وسجف الفراء، وفي لبسه لدفع قملٍ أو حكّةٍ أو حرٍّ أو بردٍ مهلكين، أو لبسه للحرب خلاف، ومحلّه مصطلح: (حرير). ب - استعمال الرّجل الذّهب أو الفضّة: 3 - لا خلاف بين الفقهاء في تحريم حليّ الذّهب على الرّجال، فيحرم على الرّجل استعمال الذّهب ولا يحلّ له منه إلاّ ما دعت الضّرورة أو الحاجة إليه كالأنف والسّنّ والأنملة. ويجوز له أيضاً للحاجة شدّ أسنانه بالذّهب. ويحلّ له من الفضّة الخاتم، وكذا تحلية بعض أدواته كسيفه بها، وشدّ أسنانه بالفضّة، وأمّا سائر حلية الفضّة ففي تحريمها على الرّجل خلاف. والآنية المتّخذة من النّقدين يحرم استعمالها على الجميع. والتّفصيل محلّه مصطلح: (آنية)، ومصطلح: (حليّ). ج - عورة الرّجل في الصّلاة وخارجها: 4 - عورة الرّجل في الصّلاة وخارجها ما بين السّرّة والرّكبة عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وهو رأي أكثر الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم » أسفل السّرّة وفوق الرّكبتين من العورة «. وفي روايةٍ عن أحمد أنّها الفرجان فقط لما روي عن أنسٍ رضي الله عنه » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتّى إنّي لأنظر إلى بياض فخذ النّبيّ « رواه البخاريّ. والتّفصيل محلّه مصطلح: (عورة) د - اختصاص الأذان بالرّجال دون النّساء: 5 - من الشّروط الواجبة في المؤذّن أن يكون رجلاً، فلا يصحّ أذان المرأة، لأنّ رفع صوتها قد يوقع في الفتنة، وهذا عند الجمهور في الجملة، ولا يعتدّ بأذانها لو أذّنت. والتّفصيل محلّه مصطلح: (أذان). هـ – وجوب صلاة الجمعة على الرّجال دون النّساء: 6 – من شرائط وجوب صلاة الجمعة الذّكورة، وأمّا المرأة فلا تجب عليها صلاة الجمعة اتّفاقاً. انظر مصطلح: (صلاة الجمعة) و - كون الرّجل إماماً في الصّلاة دون المرأة: 7 - اتّفق الفقهاء على اشتراط الذّكورة في إمامة الصّلاة للرّجال في الفريضة، فلا تصحّ إمامة المرأة للرّجال فيها لقوله صلى الله عليه وسلم » أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللّه «، ولما روى جابر مرفوعاً » لا تؤمّنّ امرأة رجلاً «، ولأنّ في إمامتها للرّجال افتتاناً بها. ز - ما يختصّ بالرّجل من أعمال الحجّ: 8 - يحرم على الرّجل لبس المخيط من الثّياب بخلاف المرأة، والمشروع في حقّه الحلق أو التّقصير بخلاف المرأة، فإنّ المشروع في حقّها التّقصير دون الحلق، ويسنّ للرّجل الرّمل في طوافه والاضطباع والإسراع بين الميلين الأخضرين في السّعي ورفع صوته بالتّلبية. وأمّا المرأة فإنّها تخالفه في ذلك كلّه. والتّفصيل محلّه مصطلح: (حجّ ، وإحرام، وتلبية، وطواف). ح - دية الرّجل: 9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ دية الرّجل الحرّ المسلم مائة من الإبل، وأمّا دية المرأة الحرّة المسلمة فهي نصف دية الرّجل الحرّ المسلم. والتّفصيل محلّه مصطلح: (دية) ط - وجوب الجهاد على الرّجل دون المرأة: 10 - الجهاد إذا كان فرض عينٍ بأن دهم العدوّ بلداً من بلاد المسلمين، فإنّه يجب على كلّ قادرٍ على حمل السّلاح والقتال من أهل ذلك البلد رجلاً كان أو امرأةً أو صبياً أو شيخاً، وأمّا إذا كان فرض كفايةٍ فإنّه يجب على الرّجال فقط، وأمّا المرأة فلا يجب عليها لضعفها اتّفاقاً. وانظر: (جهاد). ي - أخذ الجزية من المرأة: 11 - لا تؤخذ الجزية من المرأة. وانظر: (جزية). ك - اختصاص الشّهادة في غير الأموال بالرّجال دون النّساء: 12 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الشّهادة في القود والحدود لا يقبل فيها إلاّ الرّجال فلا تقبل فيها شهادة المرأة. وانظر تفصيل ذلك في مصطلح: (شهادة). ل - الميراث: 13 - يختلف ميراث الرّجل عن ميراث المرأة في كثيرٍ من الصّور. وتفصيل ذلك في مصطلح: (إرث) م - الرّجل والولاية: 14 - يقدّم الرّجل على المرأة في كلّ ولايةٍ هو أقوم بمصالحها منها. وتقدّم المرأة على الرّجل في الولاية الّتي هي أقوم بمصالحها من الرّجل وهي الحضانة. وتفصيل ذلك محلّه مصطلح: (ولاية). وانظر أيضاً مصطلح: (ذكورة).
1 - الرِّجل لغةً: قدم الإنسان وغيره، وهي مؤنّثة وجمعها أرجل، ورجل الإنسان هي من أصل الفخذ إلى القدم، ومنه قوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} ورجل أرجل أي: عظيم الرّجل، والرّاجل خلاف الفارس ومنه قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً}. ومعناه الاصطلاحيّ يختلف باختلاف الحال فيراد به القدم مع الكعبين كما هو في قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَين}، ويراد به دون المفصل بين السّاق والقدم، كما هو الحال في قطع رجل السّارق والسّارقة. ويطلق تارةً فيراد به من أصل الفخذ إلى القدم.
وردت الأحكام المتعلّقة بالرّجل في عددٍ من أبواب الفقه منها ما يلي: أ - الوضوء: 2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ غسل الرّجلين مع الكعبين - وهما العظمان النّاتئان عند مفصل السّاق والقدم - من فروض الوضوء لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}. وللأحاديث الصّحيحة الّتي وردت في غسل الرّجلين، ومنها ما روي في وضوء النّبيّ صلى الله عليه وسلم » أنّه غسل كلّ رجلٍ ثلاثاً «. وفي لفظٍ: » ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرّاتٍ، ثمّ غسل رجله اليسرى مثل ذلك «. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: » ويل للأعقاب من النّار« وذلك عندما رأى قوماً يتوضّئون وأعقابهم تلوح لم يمسّها الماء. وعن عمر رضي الله عنه أنّ رجلاً توضّأ، فترك موضع ظفرٍ على قدمه فأبصره النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: » ارجع فأحسن وضوءك، فرجع ثمّ صلّى «. وذهب بعض السّلف إلى أنّ الفرض في الرّجلين هو المسح لا الغسل، وذلك أخذاً بقراءة مهاجرٍ "أرجلِكم" في قوله تعالى: {وَامْسَحُوْا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ} فإنّها تقتضي كون الأرجل ممسوحةً لا مغسولةً. وذهب الحسن البصريّ ومحمّد بن جريرٍ الطّبريّ إلى أنّ المتوضّئ مخيّر بين غسل الرّجلين وبين مسحهما، لأنّ كلّ واحدةٍ من القراءتين قد ثبت كونها قراءةً وتعذّر الجمع بين مقتضيهما وهو وجوب الغسل بقراءة النّصب ووجوب المسح بقراءة الجرّ، فيخيّر المكلّف إن شاء عمل بقراءة النّصب فغسل، وإن شاء عمل بقراءة الخفض فمسح، وأيّهما فعل يكون آتياً بالمفروض، كما هو الحال في الأمر بأحد الأشياء الثّلاثة في كفّارة اليمين. والتّفصيل في مصطلح: (وضوء، مسح). ب - حدّ السّرقة: 3 - اتّفق الفقهاء على أنّ حدّ السّارق قطع يده لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وأوّل ما يقطع من السّارق يده اليمنى، لأنّ البطش بها أقوى فكانت البداية بها أردع، ولأنّها آلة السّرقة، فكانت العقوبة بقطعها أولى. 4 - واتّفقوا على أنّه إن سرق ثانياً قطعت رجله اليسرى لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال في السّارق: » إذا سرق السّارق فاقطعوا يده، فإن عاد فاقطعوا رجله « ولأنّه في المحاربة الموجبة قطع عضوين إنّما تقطع يده ورجله، ولا تقطع يداه، وحكي عن عطاءٍ وربيعة أنّه إن سرق ثانياً تقطع يده اليسرى لقوله سبحانه وتعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} ولأنّ اليد آلة السّرقة والبطش فكانت العقوبة بقطعها أولى، قال ابن قدامة - بعد أن ذكر هذا القول - وهذا شذوذ يخالف قول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الفقه والأثر من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم. 5- واختلف الفقهاء فيما إذا سرق ثالثاً بعد قطع يده اليمنى ورجله اليسرى. فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه لا يقطع منه شيء بل يعزّر ويحبس، واستدلّوا بأنّ عمر رضي الله عنه أتي بسارقٍ أقطع اليد والرّجل قد سرق يقال له: سدوم، وأراد أن يقطعه، فقال له عليّ رضي الله عنه: إنّما عليه قطع يدٍ ورجلٍ، فحبسه عمر، ولم يقطعه. ولما روى أبو سعيدٍ المقبريّ عن أبيه أنّ عليّاً رضي الله عنه أتي بسارقٍ فقطع يده - اليمنى - ثمّ أتي به الثّانية وقد سرق فقطع رجله - اليسرى - ثمّ أتي به الثّالثة وقد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا ؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، فقال: قتلته إذن وما عليه القتل، لا أقطعه، إن قطعت يده فبأيٍّ شيءٍ يأكل الطّعام، وبأيّ شيءٍ يتوضّأ للصّلاة، وبأيّ شيءٍ يغتسل من جنابته، وبأيّ شيءٍ يتمسّح، وإن قطعت رجله بأيّ شيءٍ يمشي، بأيّ شيءٍ يقوم على حاجته، إنّي لأستحيي من اللّه أن لا أدع له يداً يبطش بها، ولا رجلاً يمشي عليها، ثمّ ضربه بخشبةٍ وحبسه. وإلى هذا ذهب الحسن والشّعبيّ والنّخعيّ والزّهريّ وحمّاد والثّوريّ. وذهب المالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى أنّه إن سرق ثالثاً قطعت يده اليسرى. فإن سرق رابعاً قطعت رجله اليمنى، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في السّارق: إن سرق فاقطعوا يده، ثمّ إن سرق فاقطعوا رجله، ثمّ إن سرق فاقطعوا يده، ثمّ إن سرق فاقطعوا رجله «. ولأنّه فعل أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، وإلى هذا ذهب قتادة وأبو ثورٍ، وابن المنذر، وتقطع رجل السّارق من المفصل بين السّاق والقدم. ج - قاطع الطّريق: 6 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ قاطع الطّريق إذا أخذ المال ولم يقتل، وكان المال الّذي أخذه بمقدار ما تقطع به يد السّارق، فإنّه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ}. وبهذا تتحقّق المخالفة المذكورة في الآية، وهي أرفق به في إمكان مشيه. وذهب المالكيّة إلى أنّ الإمام مخيّر، فيحكم بين القتل والصّلب والقطع والنّفي، سواء قتل وأخذ المال، أم قتل فقط، أو أخذ المال فقط، أم خوّف دون أن يقتل أو يأخذ المال. والتّفصيل في مصطلح: (حرابة). د - دية الرِّجل: 7 - اتّفق الفقهاء على أنّ في قطع الرّجلين ديةً كاملةً، وفي قطع إحداهما نصف الدّية، وفي قطع أصبع الرّجل عشر الدّية، وفي أنملتها ثلث العشر إلاّ الإبهام ففي أنملتها نصف العشر إذ ليس فيه إلاّ أنملتان لحديث عمرو بن حزمٍ عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كتب له في كتابه: » وفي الرّجل الواحدة نصف الدّية «. قال ابن عبد البرّ: كتاب عمرو بن حزمٍ معروف عند الفقهاء وما فيه متّفق عليه عند العلماء إلاّ قليلاً. واتّفقوا أيضاً على أنّ قطع الرّجل يوجب نصف الدّية إذا كان من الكعبين أو من أصول الأصابع الخمسة، واختلفوا فيما إذا قطعت من السّاق أو من الرّكبة أو من الفخذ أو من الورك. فذهب الجمهور " المالكيّة، والحنابلة وبعض الشّافعيّة وهو رواية عن أبي يوسف " إلى أنّ قطع الرّجل من هذه الأماكن لا تزيد به الدّية، لأنّ الرّجل اسم لهذه الجارحة إلى أصل الفخذ، فلا يزاد على تقدير الشّرع، ولأنّ السّاق أو الفخذ ليس لها أرش مقدّر شرعاً، فيكون تبعاً لما له أرش مقدّر وهي القدم. وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى وجوب حكومة عدلٍ في ذلك زيادةً على نصف الدّية الواجب في القدم. والتّفصيل في مصطلح: (دية، وحكومة عدلٍ) هـ – هل الرِّجل من العورة ؟ 8 - اتّفق الفقهاء على أنّ رجل المرأة الحرّة عورة ما عدا قدميها. وذهب الجمهور إلى أنّ ما بين السّرّة والرّكبة من الرّجل عورة بالنّسبة للرّجال. ثمّ اختلفوا في كون الرّكبتين والسّرّة من الرّجل عورة. وينظر: (عورة).
1 - الرّجم في اللّغة: الرّمي بالحجارة. ويطلق على معانٍ أخرى منها: القتل. ومنها: القذف بالغيب أو بالظّنّ. ومنها اللّعن، والطّرد، والشّتم والهجران. وفي الاصطلاح هو رجم الزّاني المحصن بالحجارة حتّى الموت.
2 - قال ابن قدامة: لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الرّجم على الزّاني المحصن رجلاً كان أو امرأةً. وقد ثبت الرّجم عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، في أخبارٍ تشبه التّواتر. وهذا قول عامّة أهل العلم من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم. قال ابن قدامة: لا نعلم فيه مخالفاً إلاّ الخوارج، فإنّهم قالوا: الجلد للبكر والثّيّب لقول اللّه تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}. والتّفصيل في باب الزّنى
3 - تختصّ عقوبة الرّجم بالزّاني المكلّف المحصن: والمحصن: كلّ مكلّفٍ حرّ مختار ملتزم بأحكام الشّرع، وطئ أو وطئت حال الكمال في نكاحٍ صحيحٍ، وإن كان ذمّيّاً عند الجمهور خلافاً للشّافعيّة، أو مرتدّاً، لالتزامهما أحكام الشّرع. وانظر: (إحصان). أمّا غير المكلّف فلا يرجم، لأنّ فعله لا يوصف بتحريمٍ، كما لا يرجم غير الملتزم كالحربيّ. وينظر التّفصيل في: (زنىً)
4 - إذا كان المرجوم رجلاً أقيم عليه حدّ الرّجم، وهو قائم ولم يوثق، ولم يحفر له، سواء ثبت زناه ببيّنةٍ أو بإقرارٍ، وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء. أمّا المرأة فيحفر لها عند الرّجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببيّنةٍ، لئلاّ تتكشّف عورتها. وقال أحمد في روايةٍ: لا يحفر لها، كالرّجل. ويخرج من يستحقّ الرّجم إلى أرضٍ فضاءٍ، ويبتدئ بالرّجم الشّهود إذا ثبت زناه بشهادةٍ، ندباً عند الجمهور ووجوباً عند الحنفيّة. ويحضر الإمام عند الرّجم كما يحضر جمع من الرّجال المسلمين، ويرجم بحجارةٍ معتدلةٍ. والتّفصيل في مصطلح: (زنىً).
5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يجمع على الزّاني المحصن بين الرّجم والجلد، وقال أحمد بن حنبلٍ في إحدى روايتين عنه: إنّه يجلد ثمّ يرجم. (ر: جلد).
6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المرجوم يكفّن، ويصلّى عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم في ماعزٍ: » اصنعوا به ما تصنعون بموتاكم «، وأنّه صلى الله عليه وسلم » صلّى على الغامديّة «. والتّفصيل في (صلاة الجنازة).
7 - لا يقام حدّ الرّجم على الحامل حتّى تضع ويستغني عنها وليدها، سواء كان الحمل من زنا أم غيره. قال ابن قدامة: لا نعلم في ذلك خلافاً. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ الحامل لا ترجم حتّى تضع، لأنّ » النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتت إليه امرأة من غامدٍ فقالت: يا رسول اللّه إنّي قد زنيت فطهّرني، وأنّه ردّها، فلمّا كان الغد قالت: يا رسول اللّه لم تردّني لعلّك أن تردّني كما رددت ماعزاً فواللّه إنّي لحبلى، قال: إمّا لا فاذهبي حتّى تلدي، فلمّا ولدت أتته بالصّبيّ في خرقةٍ، قالت: هذا قد ولدته، قال: اذهبي فأرضعيه حتّى تفطميه، فلمّا فطمته أتته بالصّبيّ في يده كسرة خبزٍ فقالت: هذا يا نبيّ اللّه قد فطمته وقد أكل الطّعام، فدفع الصّبيّ إلى رجلٍ من المسلمين ثمّ أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر النّاس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجرٍ فرمى رأسها فتنضّح الدّم على وجه خالدٍ فسبّها فسمع نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم سبّه إيّاها فقال: مهلاً يا خالد فوالّذي نفسي بيده لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مكسٍ لغفر له ثمّ أمر بها فصلّى عليها ودفنت «. ولأنّ امرأةً زنت في أيّام عمر رضي الله عنه فهمّ عمر برجمها وهي حامل، فقال له معاذ: إن كان لك سبيل عليها فليس لك سبيل على حملها، فلم يرجمها، ولأنّ في إقامة الحدّ عليها في حال حملها إتلافاً لمعصومٍ، ولا سبيل إليه. والتّفصيل في مصطلح: (حدود)
|